حبيبة رسول الله3

موضوع: حبيبة رسول الله3 3/7/2009, 15:45

وحمل أبو بكر تبعات الأمر بعد سيدنا رسول الله وأصبح الخليفة المسئول عن زعامة المسلمين فما قصر في أمر من أمورهم، ولا تهاون في حد من حدود الله: بل اتبع منهاج محمد وأسلوبه في قوة واعتداد وعنفوان، ولم يمكن لخارج من الخروج، ولا ترك فرصة لمقصر إلا رده إلى جادة الحق بكل وسيلة وسلاح.
وقرت أم المؤمنين عائشة في بيتها بعد محمد صلى الله عليه وسلم، كما قرت في بيوتهن سائر أمهات المؤمنين.
ومضى أبو بكر، وجاء أمير المؤمنين عمر ثم، خلفه عثمان الطيب ذو النورين، وكان رجلاً غلبت عليه الطيبة التي سمحت لبعض ذوي قرابته في التدخل في أمس أمور الدولة، فكره المسلمون ذلك، وعلت أصواتهم في سائر الأمصار، يعترضون ويعلنون عدم الرضا على كثيرمن الأمور، بل سارت وفودهم إلى المدينة قادمة من هنا وهناك.
واعتبر عثمان قدوم أهل الأمصار إلى المدينة خروجاً على الطاعة، وكره أن يتفرق أمر المسلمين على هذه الصورة، فردهم وأبى أن ينزل على آرائهم أو يستجيب لمطالبهم، فكانت الفتنة الكبرى، وكانت غضبة المسلمين، لانصراف أمير المؤمنين عنهم، ولم يجدوا غير أن يطرقوا باب عائشة ويتشفعوا بها عنده حتى لا يتسع الخرق ويعظم أمر الفتنة.
وكبر على عثمان أن يلجأ أهل الأمصار إلى عائشة، وأن تستجيب هي لهم، وتقحم نفسها في أمور الدولة وهو وحده المسئول عنها، ولم يحدث قبل اليوم أن تدخلت واحدة من النساء أيا كانت في مثل هذه الأمور.
وكان عثمان صريحاً في إعلان رأيه هذا، وكانت صراحته تلك بمنزلة أمر لأم المؤمنين عائشة لتلتزم بيتها وأن تقر حيث أمرها الله.... وهنا.
وهنا أقف مشفقة، فالمحدثون والرواة، لم يقفوا من هذا الحادث موقف الحيدة أبداً، ولم يلتزموا فيه جانب الحقيقة والتاريخ، وإذا هم أكثر من فريق، وأكثر من رواية، وأكثر من محدث، حتى لقد ضلت الحقيقة، وعرتها مبالغات جعلت من أم المؤمنين عائشة، تخرج على حدودها وتعلن العداء علانية لعثمان، بل وتقيم خيمتها في صحن المسجد وسط جموع الثائرين وترفع نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي تقول لأمير المؤمنين الذي كانت تستحي منه الملائكة أنه خرج على شريعة صاحب ذلك النعل!!
اللهم هذه فرية لا يرضاها مسلم وما كنت أحب أن أذكرها لولا ورودها في كثير من المصادر، حتى لتأخذ صورة جديدة تنقلب بعد هذا إلى تحريض سافر من عائشة على قتل عثمان في القول الذي أقحم عليها بغير حق، وقد ادعوا أنها قالت للثائرين على أمير المؤمنين:
«اقتلوا نعثلا (عثمان) فقد كفر...».
فهل يعقل هذا... وهل يرضي الله ورسوله أن يتجاسر المتقولون على الحرمات بهذه الصورة، وأن يجعلوا عائشة أم المؤمنين تحكم بأن عثمان، ذا النورين، وصاحب رسول الله السباق إلى الإسلام وإلى نصرته - بأنه قد كفر، وهو الموعود بالجنة!!
هذه افتراءات تاريخ، وعائشة منها براء، ولكنها تواردت وكثرت وتوارثها الناس دون تحقيق حتى لقد بلغ التحزب بفئات منهم أن حملت أم المؤمنين تبعة التحريض على قتل عثمان ابن عفان ثالث الراشدين بعد رسول الله.
وقتل عثمان، ونجحت الفتنة الكبرى. فإذا بالخيال يشتط بالمجترئين المتقولين ويجمح بهم إلى أبعد مما كانوا يتصورون، وإذا بهم يجعلون السيدة الكريمة المبرأة التي حرضت في رواياتهم المفتراة على قتل عثمان - بعد أن قضت بكفره - تقف اليوم في موقف المطالب بدم الشهيد العظيم ممن خرجوا عليه وسفكوا دمه.
اللهم هذا افتراء على مقام ظعينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني لأجزم أنها كانت أبعد الناس عن الفتنة، ولكن حب الإثارة وإعادة الأمور إلى أصول خيالية جعل الناس يقحمون اسم الصديقة أم المؤمنين عائشة في المؤامرة، ليخونهم السرد الخيالي بعد ذلك وهم ينتقلون بالأحداث إلى الصراع الذي قام بين عائشة، وبين الإمام الأعظم علي بن أبي طالب، لما صار إليه الأمر بعد عثمان، وأصبح أميراً للمؤمنين!!
وقد أجاري بعد هذا من يقولون إن المسلمين في أثناء اشتداد الفتنة الكبرى واندلاع أوارها، قد لجأوا إلى عائشة ينتصحون بنصحها، وأن أم المؤمنين وقفت موقف الحياد، أو قد تكون نصحت عثمان بكذا وكذا - أما أن تكون قد رفعت في وجهه نعل سيدنا رسول الله، وحرّضت المسلمين على قتله لأنه كفر، وخرج على شريعة صاحب النعل، فذلك أمر أرفضه ولا أرضاه.
ولنسرع بعد هذا إلى ما قام بين عائشة وعلي. وكيف تطورت الأمور لتقف بينهما إلى حد الخروج علناً على البيعة الإجماعية والتحريض على خلع أمير المؤمنين، ثم لنقف في حذر، ولنمسك بالخيط من بدايته فنسخر من الزعم بأن عائشة كانت تكره علي بن أبي طالب لأنه وقف في غير صفها أيام حديث الإفك، وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن النساء غيرها كثيرات، ودعا إلى طلاقها!
هذا أيضاً قول مفترى، ولا أساس له من الصحة، ولا يمكن أن يرضاه أحد، فعائشة كانت من أهل محمد «وعلي» وهو ابن عم محمد وزوج ابنته الحبيبة، وكان أحب الناس إلى سيدنا رسول الله ولن يعقل أبداً أن تكره عائشة أحداً كان يخصه محمد بالحب والتقدير والاعتزاز.
إذن... لماذا خرجت عائشة على أمير المؤمنين على بن أبي طالب!!
ذلك هو السؤال.. لماذا خرجت عائشة.. ولماذا أقدمت على تفريق المسلمين وجعلت بعضهم يقدم على حرب بعضهم الآخر.
هذا أمر يعرفه جيداً من صوروا لعائشة الأمر بعد مقتل عثمان على غير حقيقته واتهموا عليا بأنه تقاعد عن نصرة عثمان، ولم يأخذ بدمه، وأفهموها أن خروجها فيه صلاح لأمر المسلمين وتجميع لكلمتهم فخرجت.
وكانت وقعة «الجمل» الرهيبة، كان النصر الذي أيد الله به علي بن أبي طالب ثم.. كان إرجاع عائشة الكريمة معززة مكرمة إلى بيتها حيث أمرها الله أن تقر فيه، وقد عرفت حقيقة الصراع ثم ندمت على أنها شاركت فيه دون تحقيق.
وشهدت عائشة رضي الله عنها عهد معاوية ثم لحقت بالرفيق الأعلى في السابع عشر من رمضان للعام الثامن والخمسين من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم: ودفنت بالبقيع، وصلى عليها أبو هريرة، وطويت صفحتها، أنضر صفحة وأطهر صحيفة في صحائف النساء المسلمات الخالدات.

موضوع: رد: حبيبة رسول الله3 15/7/2009, 09:42

جازاك الله خيرا